بين الحب، والمودة

 

 

 

أُؤمنُ بالحب كثيراً كمفهوم، وكرابطةٍ هي الأجمل بين البشر. لكني لا أذهبُ بعيداً في تعظيم دورهِ في إنجاح علاقة الزواج، ولا أضعهُ شرطاً لازماً لها.
الحبُ مرحلةٌ متفاوتة الشدة، يبدأُ الحبُ قوياً، ويستمرُ ما شاء الله له الاستمرار، ثم يخفتُ رويداً. وهو لا شك مرحلةٌ فائقةُ الجمال، إن تّوج بالزواج فهذا مسارهُ الطبيعي. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذا الزواج سيكونُ ناجحاً، بل العكس هو الأقرب، والشواهدُ كثيرة.
الحبُ القوي، الذي يتغلبُ على كل الظروف ويزيلُ الفوارق؛ ما هو إلا أسطورة صنعتها الروايات والأفلام والأغنيات في أذهان المراهقين، وأصبحوا يقاتلون تحت لوائها. والحقيقةُ أن الحب ضعيف، وواهن، ينضبُ من القلوب رويداً كأن الأرضُ تتشربهُ، أو الشمسُ تُبخره ! .. وهو جميلٌ حال التنائي والتباعد، وحال قلة الوصال، فيتقدُ مع المسافات، وتحمرُّ جمرته. لكنهُ من الضعف بمكان أن لا يقوى على “التعود” ، ذاك الذي ينتجُ عن علاقة دائمة كالزواج، فيقتلهُ هذا “التعود” رويداً، ويبّرده شيئاً فشيئاً.
ومن منظور آخر، فإن البعض يفسرون الغريزة حباً ! .. وهي من روافده لا شك. وهذه الغريزةُ إن أُشبعت بالزواج؛ فسيخفت وهج هذا النوع من العلاقات، إن لم ينطفئُ بالكلية !
شخصياً، أُؤمنُ أكثر بالحب الناشئُ بعد الزواج، وليس قبله. والله سبحانه بيّن لنا إطار العلاقة الأسمى بين الزوجين ( وجعل بينكم مودةً ورحمة ). المودةُ مفهومٌ أشملُ وأعمق، يندرجُ الحبُ تحته، وأشياء أخرى غيره. والمودةُ التي تنتجُ بعد الزواج تكونُ مبنيةً على التفاهم، وهي المرحلة التي إن وصلها الطرفان؛ فسيعيشان العمر كلهُ بسلام. والمودةُ وما في حكمها لا تنشأُ إلا بعد دوامِ الوصال، وإشباع الغريزة، لذا هي أبقى وأدوم، وهي نتاج العقل أولاً ثم القلب.
أما الرحمة فهي التي تمنعُ أحدهما من ظلم الآخر، وتلزمهُ بالإحسان إليه.
ولكي لا أكون مُحبِطاً، فسأقول أن العلاقة الرومانسية قد تكون أساساً ومنطلقاً لزواجٍ ناجح، وهذا قائمٌ على استطاعة الطرفين على تحويل هذا الحب البحت إلى مودةٍ ورحمة .

مشاركة التدوينة:

تعليق واحد

أحدث التعليقات

تصنيفات

الأرشيف