غيبوبة العصر الحديث

 

 

تخيل أن تستيقظَ يوماً لتكتشفَ أن “الانترنت” لم يعد له وجود، وإنهُ زالَ تماماً بلا عودة. ستُصدم بلا شك، وستُصاب بالإحباطِ وربما الاكتئاب، وستدرك حينها أنك لم تكُ تُضيّعُ أوقاتَ فراغكَ بين أرجاء الشبكة العنكبوتية، بل كنتَ تُفرّغُ كل أوقاتكَ لأجلها، بل قد اتخذتها عالماً مصغراً تعيشُ فيه خارج عالمك الرئيس !
ستفتقدُ أصدقاءك الافتراضيين بالتأكيد، هي علاقاتٌ جميلة حتى ولو كانت هشةً للغاية. وستفقدُ أيضاً بعض المواقع المفيدة، وبعض الكُتّاب الرائعون، والمنشورات المغموسةِ بالفائدة، والمُبهَّرة بالمتعة. ولكن – ولنكن واقعيين- حسرتُكَ الكبرى لن تكون على ما سبق، بل على فقدان التفاهةِ المُمثَلةِ بأصنامٍ كُنتَ تولّي وجهكَ شطرهم معظم وقتك. أصنامٌ تُذّكرُنا بالتي كانت في الجاهليةِ ؛ حين صنعوها بأيديهم ثم عبدوها !.. وأنتَ كذلك رفعتَ هؤلاء عالياً ثم لبثتَ تنظرُ إليهم من الأسفلِ وأنتَ تحسدهم على حالهم، وتتحسرُ على حالك!
المضحكُ المبكي أنهم يعاملونكَ ومن على شاكلتكَ من المهووسين بهم بفوقيةِ وعنجهية، ناسين أو متناسين أنكم من صنعهم، وأنكم سبب رزقهم بعد الله. سيكونُ فقدهم قاسياً بعض الشيء بعدما اعتدتَ أن تقضي نصفَ يومك في متابعةِ أدق تفاصيلهم، لكن ستُشفى رويداً، وستَخِفُّ أعراضُكَ الانسحابية، حتى تنساهم تماماً، وتنسى الانترنت كذلك. عندها؛ ستُلاحظُ الفرقَ في نفسك، وفي وقتك الذي تمدد واتسع، وفي شغفكَ بالحياة الذي تجدد ورجع، وفي اهتماماتكَ التي سمتْ وتنوعت، وفي علاقاتكَ التي نمتْ وتعمقت، وفي عملكَ الذي انكفأتَ عليه، وفي بيتكَ الذي عُدتَ بذهنكَ إليه. باختصار، ستعودُ انساناً تاماً مرةً أُخرى، بعدما كنتَ جسداً حاضراً وروحكَ غائبة، كمن هو في غيبوبة.
استيقظ، فالانترنت هو غيبوبة العصر الحديث !

مشاركة التدوينة:

إضافة تعليق

أحدث التعليقات

تصنيفات

الأرشيف