اقرأ لي، ولا تسألني !

أسوأ ما يواجهه الكاتب أن يُطالب بشرح قصده في كل عبارة يكتبها، وأن يُلزم بتبسيط المعنى لمن لم يفهمه، بل وأن يوضح نيته وهدفه من كل كلمة يخطها. وهذه -صدقاً- ليست وظيفة الكاتب، بل هي احدى المعوقات التي تحد من إبداعه، وانطلاقه.

ولنوضح هنا أن الكاتب -وأنا تحديداً- لا يتبنى كل وجهات النظر التي يطرحها، بل هو يلبس كل يومٍ لباساً مختلفاً، ويتحدث بلسانٍ غير الذي كان بالأمس، ويتبنى قناعاتٍ قد كان يعارضها فيما سبق. لماذا؟ .. الجواب ببساطة أن وظيفة الكاتب هي أن يكون لساناً لكل قرائه، وفِكراً لهم، وشرارةً صغيرة تنيرُ لهم دربهم. ولأن هؤلاء القراء متنوعون، مختلفون، متمايزون، فلا بد للكاتب أن يتماهى معهم جميعاً، ومع اختلافاتهم.

ويجب أن نفرّق بين الكاتب والفيلسوف، ذاك الذي يجلس على منبرٍ بين طلابه ومؤيديه، شارحاً لهم أراءهُ وفلسفته، ومعلماً إياهم. فالكاتب مجرد ناقلٌ للتجربة، ومستعرضٌ لها، ومقدمٌ لها بأسلوبٍ جميلٍ محبب. ولا يفرضُ أبداً آراءهُ وتوجهاته.

الأمر الآخر، والمهم أيضاً، وهي همسة بأذن أحبابنا القراء: حين تقراً نصاً ولا تفهم المقصود منه، أو حين يستعصي عليك معنى إحدى العبارات؛ فجاوزها لما بعدها، ولا تفكر فيها كثيراً، ولا تتوقف عندها. فقد يكون المعنى في مسارٍ بعيدٍ عن مسارك، أو هو لفئة أنت لا تنتمي إليها، أو فيه حبكة أنت لم تعرف كيف تتعامل معها. المهم، أمضي قُدماً ولا تتوقف عند كل عبارة مستعصية، أو معنىً غير مفهوم، أو فكرة غير منطقية -حسب وجهة نظرك-.

لكن أبداً لا تفكر أن تطلب التوضيح من كاتب العبارة، ولا تناكفه بقولك أن كلامه غير مفهوم، أو مخالف للمنطق؛ فهو لن يشرح عبارته، ولن يدافع عن فكرته، لأن دورهُ انتهى بمجرد أن ألقاها بين أيدي القرّاء.

مشاركة التدوينة:

إضافة تعليق

أحدث التعليقات

تصنيفات

الأرشيف